الكاريكاتور.. فن يجرح ولا يدمي!
2010-05-13, 10:50
لكاريكاتور.. فن يجرح ولا يدمي!!
لــــــــــــ منير عتيبة
المحاكاة الساخرة فن يتقنه معظم البشر عندما يتحدثون عن شيء جرى لهم أو لغيرهم، ويصفونه بكثير من التضخيم والمبالغة التي تشوه الأحداث والشخصيات لتولد الضحكات التي تهدف إلى جعل السامع يمعن التفكير فيما سمع، مما يعطي أثراً أقوى بكثير مما لو حكى المتحدث دون مبالغة، وهناك عشرات الأمثلة لأعمال فنية تنتمي إلى شعوب وأزمنة مختلفة، وتمثل فن المحاكاة الساخرة.. مثل وصف ابن الرومي لأحدب.. وكتاب البخلاء للجاحظ، ورسالة التربيع والتدوير للجاحظ أيضا...
لكن أكثر الفنون ارتباطاً بالمحاكاة الساخرة في رأيي هو فن الكاريكاتور؛ إنه فن المبالغة بالخطوط والريشة، فن النكتة المرسومة، فن السخرية التي تشير إلى الجرح وتفتحه وتنظفه دون قطرة دم واحدة!!
ورغم أننا نجد بعض نماذج لرسوم كاريكاتورية فرعونية أو إغريقية، فإنها -كما تقول دائرة معارف الشعب - "لم تكن تعتمد عادة على تصوير الأفراد والشخصيات؛ بل كانت سخريات ضاحكة من الضعف البشري على وجه العموم غير موجهة إلى أشخاص بالذات".
أصبح الكاريكاتور فناً عندما وجد الفنان الحقيقي الذي يعطيه حياته، وعندما أصبح له - للكاريكاتور ولفنانه - دور هام في المجتمع.. وتحدد دائرة المعارف اسم الفنان الإيطالي "أنيبال كاراتشي 1560-1609" "كأول مَن رسم في التاريخ الحديث صوراً باعثة على الضحك تمثل بعض الناس المحيطين به، ومن اسمه اشتق لفظ الكاريكاتير".
وبعده جاء فنان إيطالي آخر هو "بيترو جيزي 1674-1755" ليجعل الكاريكاتور أحد الفنون الشعبية برسومه التي اتسمت بخفة الدم والقسوة الشديدة معاً.
أما استخدام الكاريكاتور كسلاح سياسي؛ فجاء على يد الرسام الإنجليزي "جورج تاونسهند" الذي عُرِف باسم "المركيز"، ونال شهرة كبيرة في بلاده.. ولكن مؤسس المدرسة الإنجليزية في الكاريكاتور هو "وليم جارث".. فقد اتصفت رسومه بقدرة نفاذة على نقد عيوب المجتمع بما فيه من فساد وحماقة.. ومن معطف هذا الفنان خرج رواد المدرسة الإنجليزية في الكاريكاتور أمثال: توماس رولاندسون، وجيمس جيلراي، وقد "استخدم أفراد هذه المدرسة الكاريكاتير كسلاح مباشر لمهاجمة خصوم الأحزاب السياسية التي ينتسبون إليها، ويعملون لحسابها".
أما المدرسة الفرنسية فبدأت بالفنان "شارل فيليبون 1806-1862" الذي أسس عام 1830 مجلة أسبوعية باسم "الكاريكاتير"، ثم أصدر بعدها بعامين جريدة يومية باسم "الشاريفاري".. وكانت المجلة والجريدة معارضِتَيْنِ قويتَيْنِ للحكومة، واشتهر من خلالهما عدد من الفنانين أهمهم على الإطلاق "أونوريه دوميي 1808-1879" الذي يُقَال إن "كل الكاريكاتير الحديث استوحى اتجاهه من فنه".. وهو أول فنان يدخل السجن بسبب رسم كاريكاتوري يسخر من الملك فيليب وذلك سنة 1832؛ لكنه واصل هجومه بعد خروجه من السجن، ويعتبر دومييه صاحب أكثر رسوم الكاريكاتور رشاقة وحيوية حتى اليوم.
كان رسامو الكاريكاتور يركزون على رسم الشخصيات المشهورة ليسهل على الناس التعرف عليها، لكن مع انتشار الصحف اليومية والأسبوعية، ووجود الكاريكاتور كأحد أبوابها الرئيسية الجذابة، أخذ هؤلاء الرسامون "يقدمون شخصيات اجتماعية رمزية يمكن استغلالها في التعليق على الأحداث الاجتماعية أو السياسية".
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فنلاحظ أن الكاريكاتور له شعبية كبيرة جدًّا، في الصحف والمجلات، وفي الكتب المصورة، وفي أفلام الكارتون؛ بل وفي الإعلانات أيضاً.. لكن مدرسة الكاريكاتور الأمريكية تتميز بأنها سطحية لا تهدف إلا إلى الإضحاك، ليست لها -غالباً- السمة السياسية ولا العمق الاجتماعي للمدرستين الفرنسية والإنجليزية.
ويلاقي الكاريكاتور إقبالاً كبيراً في كل بلاد العالم، وتُخصَّص له مجلات مستقلة مثل مجلتَيْ: "شانكارز" الهندية، و"كاريكاتير" المصرية.
أما في العالم العربي؛ فمعظم فصول قصة الكاريكاتور حدثت في مصر..
كانت البداية مع مجلة "أبو نظارة" النقدية الفكاهية التي أصدرها "يعقوب صنوع"، واستعان فيها برسوم كاريكاتور لفنانين إيطاليين.. ثم زاد الاهتمام بهذا الفن.. فنذكر على سبيل المثال واحدة من أهم المجلات التي صدرت في هذا المجال وهي مجلة "الكشكول" التي حوت رسوماً بديعة لفنان الكاريكاتور الأسباني المتمصر "جوان سانتيز"..، وفي سنة 1925 زار مصر واستقر فيها الفنان الأرمني "صاروخان"، وفي نفس الفترة ظهر الفنان التركي "علي رفقي".. وعلى يد هؤلاء الثلاثة نشأت المدرسة المصرية في الكاريكاتور..
ويُعتبَر الفنان "محمد عبد المنعم رخا" الأب الحقيقي لفن الكاريكاتور العربي.. فقد ابتكر رخا عدداً من الشخصيات التي نالت شهرة كبيرة مثل "ابن البلد، ورفيعة هانم، والمصري أفندي" وكانت هذه الشخصيات مصرية صميمة في خفة دمها وتعبيرها عن نبض الشارع المصري، وتجسيدها لأحلام المواطنين، وانتقادها للأوضاع الاجتماعية والسياسية برُوح لاذعة وخطوط جريئة، ومثل دومييه دخل رخا السجن لمدة أربع سنوات بسبب رسم كاريكاتوري بتهمة "العيب في الذات الملكية"!!
وفي مدرسة رخا تخرجت معظم الأسماء التي أصبحت شهيرة بعد ذلك مثل: عبد السميع عبد الله، وزهدي، وصلاح جاهين، وجورج البهجوري، ومصطفى حسين..
وهذا الأخير أصبح نجماً بسبب رسومه في جريدتي "الأخبار"، و"أخبار اليوم".. فقد كون ثنائياً متميزاً مع الكاتب الساخر "أحمد رجب" وابتكرا عدداً من الشخصيات الكاريكاتورية الهامة مثل: "مطرب الأخبار، وكمبورة، وعلي الكوماندا، وعبده مشتاق، وقاسم السماوي، والكحيتي، وعزيز بيه الأليت.. وغيرها" حيث تعلق تلك الشخصيات على الأحداث الجارية اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وتنتقدها من خلال أفكار أحمد رجب ورسوم مصطفي حسين.. ومن أشهر الشخصيات التي ابتكراها: "فلاح كفر الهنادوة"
الذي يجلس مع كل رئيس وزارة مصري ومع رئيس مجلس الشعب ويخبرهم بآراء المصريين البسطاء في سياساتهم بصراحة ودهاء الفلاحين؛ إذ يوجه اتهاماته في صورة دفاع عنهم ضد ما يقوله بلدياته "الواد ابن أبو سليم أبو لسان زالف"!!
أما على المستوى العربي؛ فيُعَد الفنان الراحل "ناجي العلي" من أشهر فناني الكاريكاتير الذين استخدموا فنهم لخدمة قضايا العروبة، وقد ساعد على شهرته إخراج عاطف الطيب لفيلم يحمل اسمه قام ببطولته الممثل المصري نور الشريف.
منقول ومع التحية
لــــــــــــ منير عتيبة
المحاكاة الساخرة فن يتقنه معظم البشر عندما يتحدثون عن شيء جرى لهم أو لغيرهم، ويصفونه بكثير من التضخيم والمبالغة التي تشوه الأحداث والشخصيات لتولد الضحكات التي تهدف إلى جعل السامع يمعن التفكير فيما سمع، مما يعطي أثراً أقوى بكثير مما لو حكى المتحدث دون مبالغة، وهناك عشرات الأمثلة لأعمال فنية تنتمي إلى شعوب وأزمنة مختلفة، وتمثل فن المحاكاة الساخرة.. مثل وصف ابن الرومي لأحدب.. وكتاب البخلاء للجاحظ، ورسالة التربيع والتدوير للجاحظ أيضا...
لكن أكثر الفنون ارتباطاً بالمحاكاة الساخرة في رأيي هو فن الكاريكاتور؛ إنه فن المبالغة بالخطوط والريشة، فن النكتة المرسومة، فن السخرية التي تشير إلى الجرح وتفتحه وتنظفه دون قطرة دم واحدة!!
ورغم أننا نجد بعض نماذج لرسوم كاريكاتورية فرعونية أو إغريقية، فإنها -كما تقول دائرة معارف الشعب - "لم تكن تعتمد عادة على تصوير الأفراد والشخصيات؛ بل كانت سخريات ضاحكة من الضعف البشري على وجه العموم غير موجهة إلى أشخاص بالذات".
أصبح الكاريكاتور فناً عندما وجد الفنان الحقيقي الذي يعطيه حياته، وعندما أصبح له - للكاريكاتور ولفنانه - دور هام في المجتمع.. وتحدد دائرة المعارف اسم الفنان الإيطالي "أنيبال كاراتشي 1560-1609" "كأول مَن رسم في التاريخ الحديث صوراً باعثة على الضحك تمثل بعض الناس المحيطين به، ومن اسمه اشتق لفظ الكاريكاتير".
وبعده جاء فنان إيطالي آخر هو "بيترو جيزي 1674-1755" ليجعل الكاريكاتور أحد الفنون الشعبية برسومه التي اتسمت بخفة الدم والقسوة الشديدة معاً.
أما استخدام الكاريكاتور كسلاح سياسي؛ فجاء على يد الرسام الإنجليزي "جورج تاونسهند" الذي عُرِف باسم "المركيز"، ونال شهرة كبيرة في بلاده.. ولكن مؤسس المدرسة الإنجليزية في الكاريكاتور هو "وليم جارث".. فقد اتصفت رسومه بقدرة نفاذة على نقد عيوب المجتمع بما فيه من فساد وحماقة.. ومن معطف هذا الفنان خرج رواد المدرسة الإنجليزية في الكاريكاتور أمثال: توماس رولاندسون، وجيمس جيلراي، وقد "استخدم أفراد هذه المدرسة الكاريكاتير كسلاح مباشر لمهاجمة خصوم الأحزاب السياسية التي ينتسبون إليها، ويعملون لحسابها".
أما المدرسة الفرنسية فبدأت بالفنان "شارل فيليبون 1806-1862" الذي أسس عام 1830 مجلة أسبوعية باسم "الكاريكاتير"، ثم أصدر بعدها بعامين جريدة يومية باسم "الشاريفاري".. وكانت المجلة والجريدة معارضِتَيْنِ قويتَيْنِ للحكومة، واشتهر من خلالهما عدد من الفنانين أهمهم على الإطلاق "أونوريه دوميي 1808-1879" الذي يُقَال إن "كل الكاريكاتير الحديث استوحى اتجاهه من فنه".. وهو أول فنان يدخل السجن بسبب رسم كاريكاتوري يسخر من الملك فيليب وذلك سنة 1832؛ لكنه واصل هجومه بعد خروجه من السجن، ويعتبر دومييه صاحب أكثر رسوم الكاريكاتور رشاقة وحيوية حتى اليوم.
كان رسامو الكاريكاتور يركزون على رسم الشخصيات المشهورة ليسهل على الناس التعرف عليها، لكن مع انتشار الصحف اليومية والأسبوعية، ووجود الكاريكاتور كأحد أبوابها الرئيسية الجذابة، أخذ هؤلاء الرسامون "يقدمون شخصيات اجتماعية رمزية يمكن استغلالها في التعليق على الأحداث الاجتماعية أو السياسية".
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فنلاحظ أن الكاريكاتور له شعبية كبيرة جدًّا، في الصحف والمجلات، وفي الكتب المصورة، وفي أفلام الكارتون؛ بل وفي الإعلانات أيضاً.. لكن مدرسة الكاريكاتور الأمريكية تتميز بأنها سطحية لا تهدف إلا إلى الإضحاك، ليست لها -غالباً- السمة السياسية ولا العمق الاجتماعي للمدرستين الفرنسية والإنجليزية.
ويلاقي الكاريكاتور إقبالاً كبيراً في كل بلاد العالم، وتُخصَّص له مجلات مستقلة مثل مجلتَيْ: "شانكارز" الهندية، و"كاريكاتير" المصرية.
أما في العالم العربي؛ فمعظم فصول قصة الكاريكاتور حدثت في مصر..
كانت البداية مع مجلة "أبو نظارة" النقدية الفكاهية التي أصدرها "يعقوب صنوع"، واستعان فيها برسوم كاريكاتور لفنانين إيطاليين.. ثم زاد الاهتمام بهذا الفن.. فنذكر على سبيل المثال واحدة من أهم المجلات التي صدرت في هذا المجال وهي مجلة "الكشكول" التي حوت رسوماً بديعة لفنان الكاريكاتور الأسباني المتمصر "جوان سانتيز"..، وفي سنة 1925 زار مصر واستقر فيها الفنان الأرمني "صاروخان"، وفي نفس الفترة ظهر الفنان التركي "علي رفقي".. وعلى يد هؤلاء الثلاثة نشأت المدرسة المصرية في الكاريكاتور..
ويُعتبَر الفنان "محمد عبد المنعم رخا" الأب الحقيقي لفن الكاريكاتور العربي.. فقد ابتكر رخا عدداً من الشخصيات التي نالت شهرة كبيرة مثل "ابن البلد، ورفيعة هانم، والمصري أفندي" وكانت هذه الشخصيات مصرية صميمة في خفة دمها وتعبيرها عن نبض الشارع المصري، وتجسيدها لأحلام المواطنين، وانتقادها للأوضاع الاجتماعية والسياسية برُوح لاذعة وخطوط جريئة، ومثل دومييه دخل رخا السجن لمدة أربع سنوات بسبب رسم كاريكاتوري بتهمة "العيب في الذات الملكية"!!
وفي مدرسة رخا تخرجت معظم الأسماء التي أصبحت شهيرة بعد ذلك مثل: عبد السميع عبد الله، وزهدي، وصلاح جاهين، وجورج البهجوري، ومصطفى حسين..
وهذا الأخير أصبح نجماً بسبب رسومه في جريدتي "الأخبار"، و"أخبار اليوم".. فقد كون ثنائياً متميزاً مع الكاتب الساخر "أحمد رجب" وابتكرا عدداً من الشخصيات الكاريكاتورية الهامة مثل: "مطرب الأخبار، وكمبورة، وعلي الكوماندا، وعبده مشتاق، وقاسم السماوي، والكحيتي، وعزيز بيه الأليت.. وغيرها" حيث تعلق تلك الشخصيات على الأحداث الجارية اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وتنتقدها من خلال أفكار أحمد رجب ورسوم مصطفي حسين.. ومن أشهر الشخصيات التي ابتكراها: "فلاح كفر الهنادوة"
الذي يجلس مع كل رئيس وزارة مصري ومع رئيس مجلس الشعب ويخبرهم بآراء المصريين البسطاء في سياساتهم بصراحة ودهاء الفلاحين؛ إذ يوجه اتهاماته في صورة دفاع عنهم ضد ما يقوله بلدياته "الواد ابن أبو سليم أبو لسان زالف"!!
أما على المستوى العربي؛ فيُعَد الفنان الراحل "ناجي العلي" من أشهر فناني الكاريكاتير الذين استخدموا فنهم لخدمة قضايا العروبة، وقد ساعد على شهرته إخراج عاطف الطيب لفيلم يحمل اسمه قام ببطولته الممثل المصري نور الشريف.
منقول ومع التحية
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى